الإعلام الكاذب ..
ضرورته وصِلتهُ الوثيقة بالسياسة اليوم
لو عرّفتُ الإعلام اصطلاحا سيكون:هو الإخبار بالأحداث ونشر المعلومات والمعارف وانتقاؤها والتدقيق في صحتها بناءاً على وجهة النظر في الحياة وبناءاً على سياسة الدولة وعلى طبيعة الجماعة أو الحزب الذي يملك وسيلة الإعلام تلك . والإعلام هو شكل من أشكال الاتصال بالآخر لتبليغهُ فكرةً ما بحيث تكون خادمةً لسياسة صاحب تلك الفكرة .
جميعنا يعرف الفائدة الكبيرة للإعلام اليوم وخاصةً القنوات الفضائية الإخبارية التي تطلعنا على كل شيءٍ تقريباً في جميع أنحاء العالم وهذهِ الفائدة أصبحت لاغِنى لنا عنها, إذ إنها أصبحت من مفردات حياتنا الأساسية تقريباً , بِغض النظر عن مدى صحة ما نسمعهُ من أخبار فإننا نعرف ما يدور من حولنا من أحداث في بلدنا أو في أي مكانٍ في العالم .
ألمشكلة أو المعضلة التي نلاقيها اليوم هي مدى صدق ما نسمعهُ عن خبرٍ ما بسبب كثرة القنوات الفضائية , فبطبيعة الحال إننا نسمع صِيغ مختلفة لإذاعة نفس الخبر وهنا يكمن السؤال عن مدى صحة خبر القناة الإخبارية أو ما القناة التي نصدقها و القناة التي نكذبها ؟!
عندما نسمع أو نرى خبراً ما على قناةٍ ما .. وبعد قليل يظهرُ مسؤول يكذب الخبر المنقول على تلك القناة , و تظهر قناة أُخرى تؤيد كلام المسئول , وأخرى تُكذِبُهُ .. فحينها نقع في حيرة ! من هو الصادق و من هو الكاذب ؟!
إن الأخطر ما في الأمر هو عندما يكون الإعلام الكاذب هو أداة بيد الدول المتنفذة في النظام الدولي لتبرير سياستها , وتحقيق أهدافها , وأذكر هنا كيف استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الإعلام الكاذب لتبرير أهدافها في الشرق الأوسط بشكلٍ عام والعراق بشكلٍ خاص , وعملت على تعبئة الرأي العام العالمي على ان العراق يشكل خطراً مُحدِقاً بالعالم لامتلاكه أسلحة الدمار الشامل , وإن بإمكانه تدمير العالم خلال 45 دقيقة على حد قول الرئيس الأمريكي السابق ( بوش الابن )في كلمته أمام الجمعية العامة للأُمم المتحدة في عام 2002 .
لقد تمكنت الولايات المتحدة وبفضل ما تملكه من وسائل إعلامية مؤثرة في العالم من تحقيق هدفها,
ولقد نشرت إحدى الإحصائيات بأن ( 80% ) من متابعي وسائل الإعلام الأمريكية ووسائل الإعلام التي يملكها إمبراطور الإعلام اليهودي ( روبيرت ميردوخ ) , كانوا يعتقدون فعلاً إن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل .
إلا أن زيف هذه الادعاءات سرعان ما انكشفت بعد احتلال العراق , إذ أُثبِتَ بالدليل القاطع عدم امتلاك العراق لمثل هذه الأسلحة وهو ما أكدهُ ( كولن باول ) وزير خارجية الولايات المتحدة السابق في اعترافه أمام الشعب الأمريكي .. وهو يبدي أسفه لنقله أكاذيب عن العراق الى مجلس الامن لفقتها المخابرات المركزية الأمريكية ( CIA ) بشأن أسلحة الدمار الشامل .
إن الحرب النفسية هي واحدة من أمثلة إختفاء الصدق من أجهزة الإعلام , فهي من أخطر أنواع الحروب وأخطر حتى من الحروب العسكرية , لأنها تستخدم وسائل متعددة عدا السلاح , إذ إنها توجه تأثيرها على اعصاب الناس ووجدانهم ومعنوياتهم وفوق ذلك فإنها تكون في الغالب مقنعة بحيث لاينتبه الناس الى أهدافها ومن ثم فلا يحتاطون منها . فأنت تدرك خطر القنابل والرصاص والصواريخ فتحتاط منها لأنك تدرك خطرها , لكن الحرب النفسية تتسلل الى نفسك دون أن تدري ولذلك فإن جبهتها أكثر إتساعاً من الحروب العسكرية لأنها تهاجم المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء .
إن الإشاعات هي أكثر دواماً لأنها تُستخدم في أوقات السلم والحرب معاً , بل إنها تصوب هجماتها خارج الدولة الخصم نفسها حيث توجه تأثيرها نحو الرأي العام العالمي . ومن هذا المنطلق يمكننا أن نقول أن الحرب النفسية وكما يعرفها خبراء علم النفس العسكري على إنها استخدام مُخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الإجراءات الإعلامية الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها بطريقة تعين على تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول والجماعات المستخدمة .
كلنا يعلم إن من ضرورات مرشحي الانتخابات (( الدعاية الكاذبة )) .. فالشعارات المدوية والوعود الرنانة الكثيرة التي تسر السامعين والقارئين .. وكلها حبرٌ على ورق , ومعظمها كذب .ز والحجة والتبرير لهذا الكذب هو ((إنها دعايا إنتخابية )) أي إنها ضرورة وشيءٌ طبيعي ! لأنها إنتخابات !
وأصبح من المألوف بعد فوز المرشح الفلاني أو الحزب أو الكتلة الفلانية إننا لانسمع منهم شيء عن الوعود التي أطلقوها وأذاعوها في حملاتهم الانتخابية ولا يأتون بذكرها , وكل مااعلنوا عنه في تلك الحملات قبل فوزهم بالانتخابات .. يصبح نسيً منسيا .
هذا مما ألفناه اليوم وتعودنا عليه من اختفاء المصداقية من معظم وسائل الإعلام , اذكر في أحدى المحاضرات لدى د. ناجي حيث كانت محاضراتنا تتحدث عن علاقة علم السياسة بالعلوم الأخرى واذكر حينها إننا أولينا أهمية لعلاقة علم السياسة بالعلوم الأخرى عدا علم الأخلاق حيث سألت الدكتور ناجي ... لماذا ؟
فكان جوابه " رغم أن كثير من المفكرين يولون أهمية بالغة لعلاقة علم السياسة بالأخلاق , وان سمو السياسة تتحقق عندما تكون قريبة من الأخلاق , إلا أن الواقع غير ذلك تماماً فالسياسة اليوم بعيدة كل البعد عن الأخلاق بسبب ما تفرضه لغة المصالح من وقائع على العلاقات بين الدول .
أصبحت الوسائل الإعلامية اليوم هي مجرد منفذة لأجندة سياسية لحزب او فرد ما , وأصبح تلفيق وكذب الإعلام شيئاً ضرورياً لإنجاح ونشر الدعاية عن المرشحين فقط للحصول على أصوات الناخب بأي وسيلة كانت .
أتمنى ونحن على أبواب الانتخابات اليوم .. أن يحصل تغيير جذري وان يتم انتخاب احد ما يكون صادقاً ويلعب لعبة السياسة على المسرح وليس خلف الكواليس .
درسنا في العلوم السياسية الاتجاهات في تعريف هذا العلم حيث كان هناك التعريف الذي يتحدث عن مثاليات علم السياسة والآخر يتحدث عن قذارة وشؤم السياسة !
وللأسف السياسة اليوم هي فعلاً لعبة قذرة !!
متى ستكون هذه اللعبة نظيفة؟
ملاحظة/ هذا المقال قد نشرته من قبل في جريدة أقلام